اجهزة الطاقة

احتجاز الكربون.. التقنية التي قد تنقذ كوكب الأرض من التغير المناخي – آراء ومقالات

زاهر هاشم

تواجه دول العالم تحديّات كبيرة مع استمرار ظاهرة تغيّر المناخ وتفاقم آثارها الصحية والاقتصادية، إذ باتت موجات الحرّ والجفاف والعواصف المدمّرة ملامح متكرّرة لمناخٍ مضطرب.

وبينما تتكشّف الخسائر في قطاعات الغذاء والمياه والطاقة، تتزايد الضغوط على الحكومات لوضع استراتيجيات أكثر واقعية وفاعلية للتكيّف والتخفيف، والحدّ من تداعيات أزمة أصبحت تهدّد مستقبل الحياة على الكوكب.

ومنذ انطلاق الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، لعب الإنسان الدور الأبرز في تسريع وتيرة تغيّر المناخ عبر الأنشطة التي أطلقت كمياتٍ هائلة من غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز.

فقد أدّى الاعتماد المفرط على الفحم والنفط والغاز كمصادر رئيسية للطاقة، إلى جانب التوسع الصناعي والزراعي والنقل والاستهلاك المفرط للموارد، إلى رفع تركيز هذه الغازات إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الأرض الحديث، مما زاد من احتباس الحرارة وتفاقم ظواهر المناخ المتطرّف التي يشهدها العالم اليوم.

تقنيات خضراء

في هذا السياق، تبرز التكنولوجيا كأحد أهم الأدوات لمواجهة الأزمة، إذ توفّر حلولًا مبتكرة لتقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة الموارد، وتفتح آفاقًا جديدة لتحوّلٍ اقتصاديٍّ مستدام.

من هذه الأدوات الواعدة تتجلّى تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (Carbon Capture and Storage – CCS) كأحد الحلول التي يُعوّل عليها للحد من تدفّق ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وتعني هذه التقنية باختصار التقاط الغاز من مصادر الانبعاث الصناعية أو محطات الطاقة، ثم نقله وضخه إلى تكوينات جيولوجية عميقة أو استخدامه في منتجات صناعية، بحيث يُمنع وصوله أو بقاؤه في الغلاف الجوي، كما يمكن أن يشمل احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بشكل مباشر أو غير مباشر.

احتجاز الكربون وتخزينه هو وسيلة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما قد يكون عاملًا أساسيًا في المساعدة على معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري

وتكمن أهمية تقنية احتجاز وتخزين الكربون في أنها تُتيح معالجة انبعاثات قطاعات صعبة الإزالة مثل الإسمنت والصلب والكيماويات، حيث لا تكفي التحوّلات في الطاقة المتجددة بمفردها.

تخطّط النماذج العالمية أن تُعالج نحو مليار طن من CO₂ سنويًا بحلول 2030 وعدّة مليارات من الأطنان بحلول عام 2050، ضمن سيناريوهات اتفاق باريس للحد من الاحترار العالمي عند 1.5 °م، في حين أن الواقع اليوم لا 0.1% من الانبعاثات العالمية، أي حوالي 50 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون.

كيف تعمل تقنية احتجاز الكربون وتخزينه؟

تتكون عملية احتجاز الكربون وتخزينه من ثلاث خطوات:


الالتقاط:
يمكن التقاط ثاني أكسيد الكربون من مصادر كبيرة، مثل محطات الطاقة، ومنشآت معالجة الغاز الطبيعي، وبعض العمليات الصناعية، كما يُمكن التقاطه من الغلاف الجوي المفتوح.

يُزال ثاني أكسيد الكربون بعد حرق الوقود الأحفوري ويُلتقط من غازات العادم، وهي الطريقة المُطبقة في معظم محطات الطاقة التقليدية، أو يمكن احتجازه مسبقًا بحرق الوقود الأحفوري جزئيًا في مُحوّل غازي لتكوين غاز صناعي وعزل الكربون، أو من خلال حرق الوقود بالأكسجين بدلًا من الهواء، وينتج عن هذا الاحتراق مزيج من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء.

النقل:
يُضغط ثاني أكسيد الكربون بعد ذلك ويُنقل إلى مواقع تخزين مناسبة. يُعد ضخ الكربون عبر الأنابيب أرخص وسيلة نقل، وهو تقنية معروفة وموثوقة، ويمكن أيضًا استخدام السفن وناقلات النفط البرية لنقل ثاني أكسيد الكربون لمشاريع محدودة النطاق.

التخزين:
يمكن تخزين ثاني أكسيد الكربون بطريقتين رئيسيتين:
– التخزين الجيولوجي العميق.
– التخزين في المعادن.

يُعرف التخزين في التكوينات الجيولوجية العميقة أيضًا باسم “العزل الجيولوجي” ويُحقن ثاني أكسيد الكربون في تكوينات صخرية في أعماق الأرض لتخزينه بشكل دائم.

تشمل مواقع التخزين المحتملة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصخور المسامية وطبقات المياه الجوفية المالحة تحت سطح الأرض أو تحت قاع البحر، أو خزانات النفط والغاز المستنفدة، كما تُعدّ طبقات الفحم غير القابلة للتعدين وبعض الصخور البركانية مواقع تخزين مقترحة.

أما في تخزين المعادن، يتفاعل ثاني أكسيد الكربون المُلتقط مع معادن الحديد (Fe) والمغنيسيوم (Mg) والكالسيوم (Ca) الطبيعية، وهي معادن وفيرة جدًا ومستقرة للغاية، ونتيجةً لذلك، لا يُعاد إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لكن ما يعيب عمليات الكربنة هذه أنها بطيئة للغاية وتحتاج إلى المزيد من الطاقة لتسريعها.

التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)

إلى جانب التقاط الكربون وتخزينه (CCS)، هناك مفهوم مرتبط به، وهو اختصار لعبارة “التقاط الكربون وتخزينه واستخدامه (CCUS)”


تكمن الفكرة في أنه بدلًا من تخزين ثاني أكسيد الكربون، يُمكن إعادة استخدامه في العمليات الصناعية، إما بشكل مباشر دون تعديل كيميائي، أو بشكل غير مباشر، أي تحويله إلى منتجات متنوعة مثل البلاستيك أو الخرسانة أو الوقود الحيوي، أو تحسين استخلاص النفط.

يُستخدم حاليًا، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، حوالي 230 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، معظمها في مسارات الاستخدام المباشر في صناعة الأسمدة لتصنيع اليوريا (حوالي 130 مليون طن) وللاستخلاص المعزز للنفط (حوالي 80 مليون طن).

ورغم أن بعض استخدامات ثاني أكسيد الكربون قد تجلب فوائد مناخية كبيرة، فإن حجم السوق المحدود نسبيًا لهذه التطبيقات يعني أن التخزين المخصص ينبغي أن يظل المحور الأساسي لنشر التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه.

الذكاء الاصطناعي اللاعب الجديد

في حين أن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، والمستخدمة منذ عقود، قد نضجت علميًا، إلا أن نشرها على نطاق واسع لا يزال مقيدًا بالتكلفة، والطلب على الطاقة، وتعقيد إدارة نظام يشمل العمليات الكيميائية، ولوجستيات البنية التحتية، والتخزين الجيولوجي العميق.

يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة الكميات الهائلة من البيانات اللحظية والتاريخية الناتجة عن عمليات احتجاز الكربون وتخزينه، وتحديد الأنماط الخفية في سلوك المصنع، وتحسين الكفاءة والسلامة.

يؤثر الذكاء الاصطناعي على كل مرحلة – الالتقاط، والنقل، والتخزين – مما يحول سلسلة معقدة متعددة الخطوات إلى نظام متكامل تمامًا قائم على البيانات.

إنها عملية من ثلاث خطوات تتضمن: احتجاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن توليد الطاقة أو الأنشطة الصناعية، ونقله، ثم تخزينه بشكل دائم في أعماق الأرض

مرحلة الالتقاط: تُعدّ مرحلة الالتقاط المرحلة الأكثر استهلاكًا للطاقة في تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، وتعتمد اقتصادياتها على تقليل فاقد الطاقة.

يمكن لأنظمة التحكم في العمليات المدعومة بالذكاء الاصطناعي ضبط محددات التشغيل باستمرار، مثل درجة حرارة المذيب، وضغط العمود، ومعدلات تدفق الغاز، بناءً على التغذية الراجعة اللحظية من أجهزة الاستشعار.

وخلال عملية النقل، يتفوق الذكاء الاصطناعي في تحسين المتغيرات المتعددة، وحساب المسارات الأكثر كفاءة، وجداول الضغط، وموازنة التدفق في الوقت الفعلي.

مرحلة النقل: يمكن للذكاء الاصطناعي في أنظمة أنابيب النقل، دمج بيانات مستشعرات إنترنت الأشياء المتعلقة بدرجة الحرارة والاهتزاز والضغط للكشف عن أي شذوذ قد يشير إلى التآكل أو تكوين الهيدرات قبل أن يصبح مشاكل تتعلق بالسلامة، أما في أنظمة الشحن البحري فيمكن للذكاء الاصطناعي نمذجة أنماط الطقس، وازدحام الموانئ، وتوافر التخزين لتخطيط مسارات وجداول الإبحار المثلى.

مرحلة التخزين: يتطلب اختيار موقع التخزين المناسب تفسير كميات هائلة من البيانات الجيولوجية، بدءًا من المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد ووصولًا إلى التحليل الكيميائي لعينات الصخور.

ويمكن للنمذجة الجيولوجية القائمة على الذكاء الاصطناعي دمج مجموعات البيانات المتباينة هذه لإنشاء “توائم رقمية” عالية الدقة لتكوينات التخزين المحتملة، مع التنبؤ بمساميتها ونفاذيتها وسلامة الغطاء الصخري بدقة أكبر من الطرق التقليدية.

بمجرد حقن ثاني أكسيد الكربون، تُعد المراقبة المستمرة أمرًا ضروريًا للتحقق من بقائه محتجزًا بشكل آمن، ويمكن للذكاء الاصطناعي معالجة بيانات الانعكاس الزلزالي للكشف عن التغيرات الطفيفة في التكوينات تحت السطحية.

ومن خلال الاستشعار عن بُعد عبر الأقمار الصناعية، إلى جانب تحليل صور الذكاء الاصطناعي، يمكن الكشف عن الشذوذات السطحية، مثل تشوه الأرض أو إجهاد الغطاء النباتي، والتي قد تُشير إلى وجود تسرب.

أسئلة شائعة

1. ما هي تقنية احتجاز الكربون؟

تقنية احتجاز الكربون تتعلق بالتقاط ثاني أكسيد الكربون من مصادر الانبعاث وتخزينه للحد من تأثيره على البيئة.

2. كيف يمكن استخدام ثاني أكسيد الكربون؟

يمكن استخدامه في عمليات صناعية مثل صنع الأسمدة أو في إنتاج الوقود الحيوي.

3. ما هي الفوائد المحتملة لاستخدام CCUS؟

تساعد في تقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة استخدام الموارد، مما يسهم في مكافحة الاحتباس الحراري.

4. هل جميع الدول تستخدم تقنية احتجاز الكربون؟

لا، انتشار هذه التقنية يختلف من دولة لأخرى وقد يكون مقيدًا بالتكلفة والطلب على الطاقة.

5. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين عمليات احتجاز الكربون؟

يمكنه تحسين الكفاءة من خلال تحليل البيانات لتحسين الأداء وإدارة الأنظمة المختلفة بذكاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى