وعالمياً، تخزن التربة أكثر من ضعف كمية الكربون التي يخزنها الغلاف الجوي، لذلك، يُشكل امتصاص التربة للكربون وإطلاقه منظماً قوياً لتركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي.

وفي سياق تغير المناخ المستمر الناتج عن النشاط البشري، من المهم فهم حساسية كربون التربة بشكل أفضل، والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بانبعاث ثاني أكسيد الكربون منها، في ظل تغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة و/أو تغيرات الدورة الهيدرولوجية.

لقد سلّطت الدراسات الضوء على أهمية مناطق التربة الصقيعية، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى إطلاق الكربون من التربة المتجمدة سابقاً.

ومع ذلك، تُخزّن كميات كبيرة من الكربون العضوي أيضاً في تربة المناطق شبه الاستوائية والاستوائية، وفي هذه المناطق، لم يكن واضحاً سابقاً العامل الرئيسي المؤثر في تغيير معدل دوران الكربون.

توضح الدكتورة فيرا ماير، الباحثة الرئيسية من معهد ماروم، قائلةً: “عادةً ما تكون الميكروبات التي تُحلل المواد العضوية أكثر نشاطاً في الظروف الدافئة والرطبة، لذا يستجيب محتوى الكربون في التربة الاستوائية بسرعة كبيرة للتغيرات المناخية، وتشير بعض الدراسات إلى تأثير رئيسي لتغير الظروف المناخية المائية، بينما تلعب درجة الحرارة الدور الرئيسي في دراسات أخرى”.

توفر الودائع لمحة عن الماضي

لإلقاء مزيد من الضوء على هذه العمليات واسعة النطاق، اختارت ماير وزملاؤها نهجاً غير تقليدي، فبدلاً من دراسة الترب، قاموا بتحليل عمر المواد العضوية المشتقة من الأرض والتي نُقلت من ترب نهر النيل إلى البحر الأبيض المتوسط ​​وترسبت بالقرب من مصب النهر.

ينقل نهر النيل المواد من منطقة مستجمع مياه شاسعة في المناطق شبه الاستوائية إلى المناطق الاستوائية في شمال شرق أفريقيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وتأتي العينات المستخدمة في الدراسة من لبّ رواسب بحرية ساحلية ترسبت فيه أدلة عمرية تعود إلى آلاف السنين، وبالتالي، تتيح هذه اللبّيات الرواسبية نظرةً أطول بكثير إلى عصور من تاريخ الأرض عندما كان المناخ مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم وتغير بشكل كبير.

يقول الدكتور إينو شيفوس، من معهد ماروم: “يعتمد عمر المواد العضوية التي ينقلها النيل أساساً على عاملين: مدة بقائها في التربة، ومدة انتقالها عبر النهر. وتكمن ميزة نهجنا في إمكانية دراسة فترات زمنية طويلة، أي في هذه الحالة آخر 18 ألف عام منذ العصر الجليدي الأخير”.

فاجأت النتائج الباحثين وأظهرت شيئاً غير متوقع: لم تتغير أعمار الكربون الأرضي إلا قليلاً مع تغيرات هطول الأمطار والتغيرات المرتبطة بها في الجريان السطحي، ولكنها تفاعلت بقوة مع تغيرات درجة الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، كان التغير في الأعمار بسبب ارتفاع درجة الحرارة بعد العصر الجليدي الأخير أكبر بكثير من المتوقع، وهذا يعني أن الاحترار الذي أعقب العصر الجليدي أدى إلى تسريع كبير في تحلل المواد العضوية بواسطة الكائنات الحية الدقيقة في التربة وتسبب في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من التربة (شبه) الاستوائية بشكل أقوى بكثير مما توقعته نماذج دورة الكربون.

يقول المؤلف المشارك الدكتور بيتر كولر من معهد ألفريد فيجنر بريمرهافن: “إن حقيقة أن النماذج تقلل بشدة من تقدير إطلاق الكربون من التربة تُظهر لنا أننا بحاجة إلى مراجعة حساسية كربون التربة في نماذجنا”.

ولكن هذا التأثير لم يساهم فقط في زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في نهاية العصر الجليدي الأخير، بل كان له ايضا عواقب بعيدة المدى على المستقبل: سوف يتسارع دوران الكربون في التربة مع المزيد من الانحباس الحراري العالمي، وقد يؤدي إلى زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من خلال ردود الفعل التي تم التقليل من تقديرها في السابق.