دراسة: الشعاب المرجانية قد تتكيف مع تغير المناخ – التنوع البيولوجي

استعادة الشعاب المرجانية: دليل على القدرة على التكيف مع تغير المناخ
تتعرض الشعاب المرجانية، أساس التنوع البيولوجي في المحيطات، لخطر التغير المناخي. لكن تشير أبحاث جديدة إلى أن هذه الكائنات الحية قد تكون أكثر قدرة على الصمود مما كان يُعتقد سابقاً.
في دراسة نشرت في 27 أغسطس في مجلة Science Advances، أظهرت باحثة من جامعة كولورادو في بولدر أنه على الرغم من الزيادة التدريجية في مستويات حموضة المحيطات على مدى المائتي عام الماضية، يبدو أن بعض الشعاب المرجانية قادرة على التكيف ومواصلة تكوين هياكلها العظمية الصلبة والحجرية.
قالت جيسيكا هانكينز، المؤلفة الرئيسية للدراسة وطالبة دكتوراه في قسم العلوم الجيولوجية: “وجدنا أن الشعاب المرجانية قادرة على تنظيم الآلية التي تستخدمها لبناء هياكلها العظمية والحفاظ عليها، رغم ازدياد حمضية المحيط”.
وأضافت: “إنها إشارة غير متوقعة ومبشرة، ومع ذلك، نحتاج إلى المزيد من البيانات طويلة المدى لفهم معناها الحقيقي”.
وأثناء نمو المرجان، يُشكِّل هياكله عن طريق امتصاص أيونات من مياه البحر في فراغ بين الهيكل العظمي والأنسجة الرخوة التي تعلوه، ويُسمى سائل التكلس المرجاني، يمتلك المرجان طرقاً لتنظيم كيمياء هذا السائل لخلق ظروف مثالية لاتحاد أيونات الكالسيوم والكربونات لتكوين كربونات الكالسيوم، وهي المادة التي تتكون منها هياكل المرجان.
يمتص المحيط حوالي 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية، ومع ذوبان المزيد من ثاني أكسيد الكربون في المحيط، تخضع مياهه لتفاعل كيميائي يزيد من حموضة سطحه، وتشير دراسات سابقة إلى أن حموضة المحيطات قد زادت بنسبة 40% منذ الثورة الصناعية، ومن المرجح أن تستمر في الارتفاع.
ويؤدي هذا إلى تغيير توازن أنواع الكربون في مياه البحر، مما يؤدي إلى توفر عدد أقل من أيونات الكربونات في مياه البحر، وهو ما تحتاجه الشعاب المرجانية لبناء هيكلها العظمي.
توقع العلماء أن يُصعّب تحمض المحيطات نمو الشعاب المرجانية والحفاظ على هياكلها العظمية، مما يؤدي إلى هياكل أقل كثافة وأكثر عرضة للكسر. لكن التجارب السابقة في المختبرات وفي الحياة البرية أسفرت عن نتائج غير واضحة.
متعلق: تغيّر المناخ يهدد ببياض الشعاب المرجانية على نطاق واسع
انطلقت هانكينز لدراسة الهياكل المرجانية طويلة العمر باستخدام تقنية التصوير المتقدمة المعروفة باسم مطيافية رامان.
ويستخدم مطياف رامان الليزر للكشف عن التركيب الكيميائي وترتيب الجزيئات في أجسام مثل الصخور واللوحات والبروتينات. وأوضحت هانكينز أن هذه الطريقة قد تُظهر معلومات مفصلة عن التركيب الكيميائي لهيكل المرجان.
وعندما تُكوّن الشعاب المرجانية بسرعة معدن كربونات الكالسيوم الذي يُكوّن هياكلها، وهو ما يحدث عادةً عند توافر المزيد من أيونات الكربونات، فإن الهياكل الناتجة عادةً ما تحتوي على معادن أخرى مُستخرجة من مياه البحر. تؤثر هذه “الشوائب” على الترتيب الجزيئي وبنية كربونات الكالسيوم، مما يُظهر زيادةً في فوضى هيكل المرجان تحت تأثير مطيافية رامان.
وقالت هانكينز: “عندما تكون الظروف مواتية، يبدو أن الشعاب المرجانية تعطي الأولوية للنمو، حتى لو كان ذلك يعني إنتاج هياكل عظمية أكثر اضطراباً على المستوى الجزيئي”.
درست هانكينز قطعتين من هيكل مرجاني، إحداهما عمرها قرابة 200 عام والأخرى 115 عاماً، من الحاجز المرجاني العظيم وبحر المرجان الواقع قبالة الساحل الشمالي الشرقي لأستراليا. وباستخدام مطيافية رامان، وجدت أن كلا المرجانين قادران على تنظيم كيمياء سوائلهما الداخلية للحفاظ على نمو هيكلهما، على الرغم من الزيادة المستمرة في حموضة المحيطات نتيجةً لتحمضها. ويبدو أن المرجانين قادرين على الحفاظ على إنتاج كربونات الكالسيوم حتى مع تراجع كيمياء مياه البحر المحيطة.
وفي حين لا يزال من غير الواضح كيف تكيفت الشعاب المرجانية مع البيئة المتغيرة، قالت هانكينز إن السر ربما يكمن في سائلها المتكلس.
وقالت هانكينز: “قد تكون العمليات التي تستخدمها الشعاب المرجانية لتعديل وتنظيم سوائلها المتكلسة أكثر تعقيداً مما تمكنا من تحديده سابقاً”. وأضافت: “هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد ما إذا كانت الأنواع المختلفة، أو النوع نفسه في مواقع مختلفة، تستجيب بشكل مماثل”.
بالإضافة إلى تحمض المحيطات، لا تزال الشعاب المرجانية تواجه ضغوطاً متزايدة نتيجة ارتفاع درجات حرارة سطح البحر، والتلوث الناجم عن أنشطة الإنسان، وممارسات الصيد غير المستدامة، وفقاً لما ذكرت هانكينز. بين عامي 2023 ومنتصف مايو 2024، أكد العلماء حدوث تبيض جماعي للشعاب المرجانية في 62 دولة ومنطقة على الأقل حول العالم.
ويحدث تبيض المرجان عندما تطرد الشعاب المرجانية الطحالب التي تعيش في أنسجتها في ظل ظروف ضاغطة، مثل ارتفاع درجات حرارة المحيطات، مما يؤدي إلى تحولها إلى اللون الأبيض تماماً.
تُشكّل الشعاب المرجانية العمود الفقري لأحد أكبر النظم البيئية في العالم، فهي تحمي الشواطئ المهددة بالتآكل وأضرار العواصف، وتوفر للكائنات البحرية موائل وحاضنات ومناطق تكاثر.
تُشكّل الشعاب المرجانية الإطار المادي الذي تعتمد عليه النظم البيئية للشعاب المرجانية، وإذا ما استمر نموها كهياكل أضعف وأقل كثافة، فقد يُحدث ذلك تأثيراً متسلسلاً يؤدي إلى انهيار بيئي أوسع نطاقاً، كما قالت هانكينز. وأضافت: “قد يبدو المحيط بعيداً عن كولورادو، لكنه ليس منفصلاً. فكل نظام على وجه الأرض مترابط. وما يحدث للشعاب المرجانية يتردد صداه إلى ما هو أبعد من الشاطئ”.