زاهر هاشم
من المنتظر قريبًا أن تتمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية من تعقّب تلوّث الهواء بالكربون الأسود (السخام) في الأحياء السكنية، وتتبع مصادره، بموجب تحالف عالمي غير ربحي يضم أكثر من 100 جامعة وعالم وخبير في الذكاء الاصطناعي.
ووسّعت مؤسسة “كلايمت تريس” (Climate TRACE)، التي ترصد الانبعاثات العالمية من 660 مليون مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري وملوثات الهواء في جميع أنحاء العالم، نطاق نظامها لتتبع مصدر وتصاعد التلوث الناتج عن الجسيمات الدقيقة، المعروفة غالبًا باسم السخام، على مستوى الأحياء في 2500 مدينة حول العالم.
يمكن للسخام أن يتلف الأجهزة الإلكترونية، ويؤدي إلى تآكل المعادن، ويؤثر سلبًا على جودة الهواء، ويشكّل مخاطر صحية خطيرة.
وبينما يدرك الكثير من الناس أن حرق الوقود الأحفوري يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، لكن قلة من الناس يعرفون أن حرقه ينتج عنه جزيئات دقيقة تقتل ما يصل إلى 10 ملايين شخص كل عام.
مخاطر صحيّة
السخام عبارة عن مسحوق ناعم أسود يتكون في المقام الأول من جزيئات الكربون الناتجة عن الاحتراق غير الكامل للوقود العضوي (الهيدروكربونات) المعتمد على الكربون مثل الخشب أو الفحم أو النفط أو الغاز.
والسخام منتج ثانوي خطير يلتصق بالأسطح، ويتسرب إلى أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، ويلوّث الهواء الداخلي ويتراكم تدريجيًا في زوايا المنزل لفترة طويلة.
ولا يقتصر أثره على تلويث الأسطح، إذ يمكن للسخام أن يتلف الأجهزة الإلكترونية، ويؤدي إلى تآكل المعادن، ويؤثر سلبًا على جودة الهواء، ويشكّل مخاطر صحية خطيرة إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح.
ويتكون السخام أساسًا من الكربون، ولكنه قد يحتوي أيضًا على آثار من غبار المعادن، والمواد الكيميائية، ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، والعديد من المواد المسرطنة الأخرى، ويختلف السخام عن الفحم ومنتجات الاحتراق الأخرى بجسيماته فائقة الدقة، فهو أصغر بكثير من جزيئات الغبار، مما يسمح بدخوله إلى الممرات الدقيقة في الرئتين والأجهزة المسامية، ويرتبط التعرض المطوّل للسخام بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والسرطان.
وعلى الرغم من معرفة الباحثين منذ زمن طويل بدوره في سرطان الرئة وأمراض القلب، إلا أنهم أثبتوا خلال العقد الماضي تقريبًا أن التعرض للجسيمات الدقيقة (PM2.5) يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بمجموعة من الأمراض المميتة الأخرى، بما في ذلك انخفاض الوزن عند الولادة، وأمراض الكلى، ومرض باركنسون، ومرض الزهايمر، والخرف، وداء السكري من النوع الثاني، وغيرها، وحتى في المستويات القانونية، يمكن أن يتسبب تلوث الجسيمات الدقيقة في عشرات الآلاف من الوفيات الزائدة سنويًا.
تتبع الملوثات
يستخدم نظام “كلايمت تريس” نحو 300 قمر صناعي، و30 ألف جهاز استشعار أرضي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتتبع أكثر من 137 ألف مصدر لتلوث الهواء منها نحو 4 آلاف مصدر مصنف ضمن “مصادر الانبعاثات الفائقة”.
ويمكن من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالمبادرة، إلقاء نظرة شاملة على الانبعاثات الملوّثة، والاطلاع على الاتجاهات طويلة المدى لتلوث الهواء حول العالم، ولا يقتصر الأمر على رؤية الملوثات فحسب، بل يُظهر الموقع الإلكتروني من يُطلقها ويتيح إمكانية تتبع مسارات انتقالها.
وتُظهر خريطة تفاعلية في الموقع أن الجسيمات الدقيقة PM2.5 وغيرها من الانبعاثات السامة تُضخ في الهواء بالقرب من منازل حوالي 1.6 مليار شخص، يقع حوالي 900 مليون منهم في مسار منشآت صناعية “فائقة الانبعاثات”، بما في ذلك محطات الطاقة ومصافي النفط والموانئ والمناجم التي تطرح جرعات هائلة من الانبعاثات السامّة.
وبينما يُضخّ البشر يوميًا كميات هائلة من غازات دفيئة في الغلاف الجوي للأرض، يبدأ قياس هذه الانبعاثات بمعرفة مصدرها وأسبابها، لذا، يُحدّد تطبيق “كلايمت تريس” مواقع المصادر الكبيرة ويرصدها مع مرور الوقت.
ولا يقتصر الرصد على الانبعاثات الواضحة، مثل محطات الطاقة والمصانع التي تعمل بالوقود الأحفوري، ولكن أيضًا الانبعاثات الصادرة عن حركة النقل والسفن والطائرات، فضلاً عن الأماكن الأقل وضوحًا، مثل مكبات النفايات والحقول المخصصة لزراعة الأرز.
تُعد صور الأقمار الصناعية إحدى الوسائل المهمة لتوثيق الأنشطة المسببة للانبعاثات، لرصد الأدخنة من الأعلى من خلال الصور الدقيقة أو الخرائط الحرارية من صور الأشعة تحت الحمراء.
ومن خلال البيانات المجمعة، يتولى الباحثون تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي باستخدام صور الأقمار الصناعية لمواقع محددة، مقرونة ببيانات ميدانية حقيقية من مصادر موثوقة مثل أجهزة الاستشعار الأرضية في تلك المواقع، وتُطبّق هذه الخوارزميات عالية الجودة على جميع المنشآت الأخرى حول العالم قدر الإمكان، حتى تُترجم بدقة النشاط المرصود من خلال صور الأقمار الصناعية وغيرها من الوسائل إلى تقدير كمية للانبعاثات، ثم يستخدمون نماذج إحصائية غير قائمة على الأقمار الصناعية، ونماذج وصفية مبنية على رصيد انبعاثات باقي المنشآت والمصادر.
ومع تدفق المزيد من المعلومات من الفضاء ومن أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء العالم، فإن تقديرات الانبعاثات تتحسن باستمرار، ويسمح ذلك للقائمين على النظام بإعداد جرد عالمي مفصل ومستقل للانبعاثات من كل بلد ومنطقة ورصد أكثر من 660 مليون منشأة انبعاثات فردية ومصادر طبيعية وأصول أخرى.
ويأمل القائمون على المبادرة أن تصبح هذه البيانات متاحة بشكل يومي خلال عام تقريبًا، بحيث يمكن دمجها في تطبيقات الطقس على غرار مقاييس جودة الهواء.

كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تدوير زيوت الطهي المستعملة؟ – آراء ومقالات
ثورة البناء الذكي: كيف تغيّر الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد مستقبل المنازل؟ – تقنيات خضراء
روبوتات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تحول النفايات الإلكترونية إلى موارد ثمينة – آراء ومقالات
التكنولوجيا تعزز الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة
حاكم أوريغون يطلب من وكالات الدولة الإسراع في مشاريع الطاقة النظيفة والكهرباء
تقرير مشروع Renewables: تقدم بناء الطاقة الشمسية في لويزيانا